أخبار عاجلة

شبابنا والمشاركة في المسؤولية

أ.د محمد التميمي - المدير التنفيذي لجامعة المدينة العالمية

شبابنا هم -بعد الله- عدتنا وذخرنا وهم رجال الغد نرى المستقبل من خلالهم، فنحن أمة تصنف بأنها أمة شابة وهذا يؤكد أن هناك ثروة كبيرة نمتلكها إذا ما أحسن استثمارها وتوظيفها التوظيف الأمثل، وكل غيور على بلادنا يدرك أن الشباب اليوم في جملتهم يسيرون بحمد الله في المسار الصحيح الذي يعود عليهم بالنفع لهم ولمجتمعاتهم ولأوطانهم، ونعلم أن وراء ذلك -بعد فضل الله وتوفيقه- جهوداً متضافرة من الأسر التي قامت بتربيتهم، والمؤسسات التعليمية التي احتضنتهم علمتهم وأهلتهم، والبيئة السليمة التي ساعدتهم على شق طريقهم للنجاح والفلاح الدنيوي والأخروي يتوجها قيادة رشيدة وفرت لهم سبل العيش الكريم والاستقرار والأمن الذي تتطلبه بلادهم.
ومع ذلك لا بمكن لنا أن ندعي أننا نعيش في مجتمع مثالي فقد شذ عن هذه المسيرة بعض شبابنا الذين تخطفتهم بعض الأفكار والسلوكيات التي حادوا بسببها عن جادة الطريق والهدف المنشود لهم، وقد تنوعت أسباب الانحراف التي سلكتها تلك الفئة من الشباب وتفاوتت في درجاتها وفي استمراريتها أو كونها وقتية تحكمها مرحلة عمرية معينة أو فترة زمنية، وقد ناقشت أقلام الكتاب والمفكرين الأسباب التي أدت لحدوث تلك الانحرافات سواء السلوكية منها أو الفكرية، وكل أدلى بدلوه في تحديد الأسباب والعوامل وهم في ذلك بين مصيب ومجانب للصواب وما بين منصف يناقش بموضوعية وآخر متحامل يحمل خلفيات معينة يريد تمريرها من خلال هذه الظواهر العابرة التي علم من خلال التاريخ أنها وقتية تنتهي بانتهاء مسبباتها.
وإذا ما أمعنا النظر في جيل الشباب اليوم ندرك أن الظروف التي يعيشونها ليست هي الظروف التي عاشها من قبلهم الأجيال السابقة فجيل يوم يعيش واقعاً انفتحت فيه أبواب كثيرة غزت عقولهم وأثرت على سلوكياتهم وأخلاقهم، وتسعى بكل وسيلة للتأثير عليهم مع ظروف وأحداث محيطة يصاحبها هالة إعلامية تصنع الأحداث وتؤطرها وتروجها بشكل مدروس وموجه.
فلم يعد الأمر كما كان عليه في السابق فالانفتاح شبه كامل والنوافذ مشرعة والأبواب على مصراعيها بما يشبه الطوفان الجارف الذي لم يعد تقاومه رقابة أو حواجز.
وفي مقابل ذلك نجد أن الجهود المقابلة والمقاومة لهذا الطوفان الذي تقذف به شبكات الإنترنت والقنوات الفضائية والألعاب الإلكترونية لا تقارن بما يبذله من يؤثر على عقول شبابنا.
ونعلم بيقين أن الجهود التي تبذل من مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجهات الأمنية كبيرة وحققت نجاحات في ميادين متعددة، ولكن يجب الأخذ بالحسبان أن الجهد يجب أن يكون جماعياً، وقد استوقفني الجهد الذي قام به بعض شبابنا لمنع بعض الحسابات المشبوهة التي تحاول التأثير على شبابنا ومجتمعنا وهذه الجهود أثمرت مع أنها اجتهادات عفوية لكن يمكن لنا أن نطورها لتكون جزءا من حربناً القائمة على من يستهدف مكتسباتنا وقيمنا، فالشباب قوة لا يستهان بها وديننا حمل الشباب المسؤولية من سن البلوغ باعتباره موجباً للتكليف، فبالإمكان أن يشارك شبابنا في الخطاب الموجه ضد كل نوع من أنواع الانحراف، كما أن شبابنا مؤهل بدرجة عالية للتعامل مع الإعلام الحديث وبخاصة عبر قنوات التواصل الاجتماعي، وهم كذلك أدرى بالوسائل والأساليب التي يستخدمها أعداء الأمة، وهم كذلك أقرب لإقناع أقرانهم وقد يؤثر خطابهم في بعض أقرانهم وبخاصة أن الفرصة متاحة من خلال مقطع أو مشهد وهم بارعون في هذه المجالات إعداداً وإخراجاً ونشراً وتوزيعاً. وبخاصة أن منابر التأثير لم تعد تقتصر على قاعة درس أو منبر خطيب أو مجلس علم أو صحيفة يومية، فهذه الوسائل لها فرسانها والوسائل الحديثة لها شباب تمرسوا عليها وأتقنوها بمهارة، فهل لمؤسساتنا أن تفتح لهم المجال وتشركهم في تحمل المسؤولية وتكلفهم بدور معين يؤدونه ثقة بهم وإفساحاً لكي يردوا ما لبلادهم من حق، وعلى إعلامنا كذلك مسؤولية إبراز تلك الجهود وتكريم الشباب الذين بادروا بالقيام بها.

ولعلنا ندرك أن العلة الكؤود لدى من خرج من شبابنا عن جادة الصواب هي أن قلوبهم مع الأسف أصبحت إسفنجية تمتص بشكل سريع ما تشاهده وتسمعه وينعكس ذلك عليها في تصرفاتها وأفكارها، فالأجدر بتلك الفئة أن تحصن نفسها ذاتياً من خلال التعامل معها بكل معاني الرجولة والمسؤولية وأختم بنصيحة شيخ الإسلام ابن تيمية لتلميذه حيث يقول ابن القيم في عرضه لهذه الوصية: (قال لي شيخ الإسلام -رضي الله عنه- وقد جعلت أورد عليه إيراد بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها؛ فلا ينضح إلا بها ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها؛ فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أَشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات، أو كما قال) «مفتاح دار السعادة» (1/ 443). يقول ابن القيم عن هذه النصيحة: (ما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك) «مفتاح دار السعادة» (1/ 443).

المصدر: صحيفة الشرق

http://www.alsharq.net.sa/2015/10/16/1419921

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *